12.3.11

التعديلات الدستورية ... بين مؤيد ومعارض

تأخرت عليكم الفترة الماضية في الكتابة والتعليق على الأحداث، ولكني أعتذر لانشغالي الشديد بالامتحانات وغيرها، وعلى الرغم من وجود أمور كثيرة على الساحة في هذه الآونة للحديث عنها إلا إني أفضل أن ابدأ بموضوع الساعة "التعديلات الدستورية"

كما عودتكم، سأطرح الموضوع برمته كما هو، وأعرض لوجهات النظر المختلفة، ثم أزيلها برأيي الشخصي وأترك لكم الاختيار .. وقبل أن ابدأ أود الإجابة أولًا عن السؤال "ماذا يحدث لو رفضنا التعديلات؟"

في هذه الحالة، نعود للمربع الأول (رقم صفر) فتكون الشرعية مع الجيش وحده مرة أخرى وله أن يقرر بأي طريق يسير، إجراءات وضع دستور جديد أم تشكيل لجنة أخرى لتعديل الدستور والالتزام بما يريده الشعب ... وهذا ردًا على أولئك الذين يريدون أن يقولوا "لا" لمجرد أنهم لا يريدوا تعديلًا بل دستور جديد بغض النظر عن التعديلات.

أما من يسأل عن التعديلات ويفكر ففيها ما يلي:

المادة 75
تتعلق هذه المادة بالشروط الواجب توافرها في شخص الرئيس، فكانت توجب أن يكون مصريًا من أبوين مصريين وأن يكون عمره أكثر من 40 عامًا، وفي التعديل تم إضافة شرطين ألا يكون متزوجًا من غير مصري (أي لا يتزوج الرجل بغير مصرية ولا تتزوج المرأة بغير مصري) وألا يكون هو أو أحد آبائه قد سبق له الحصول على جنسية أجنبية (أي لا يكفي التنازل عن جنسية موجودة).

النقد الموجه لها
أن هناك الكثير من العلماء والمفكرين الذين عاشوا في الخارج وحصلوا على جنسيات أجنبية، فلماذا نحرم الوطن منهم ولماذا نحرمهم أن يترشحوا للرئاسة. كما أن حياة الرئيس الشخصية ملكًا له فلماذا نقيده بألا يكون متزوجًا من أجنبية.

أضف إلى ذلك أن هناك من يولد بالخارج ويحصل على الجنسية لمجرد ميلاده هناك، فهل يجوز أن نحرم شخص مثله من الترشح للرئاسة؟

الرد على النقد من جانب بعض أعضاء اللجنة
أن ميدان العمل السياسي وبناء المجتمع مفتوح لكل شخص مصري، ولا يلزم أن يكون الشخص رئيسًا للجمهورية حتى يقوم بواجبه نحو وطنه، ثم أن هناك الكثير والكثير من المصريين المتزوجين بإسرائيليات فهل نسمح لهم بالترشح للرئاسة؟ وهذا أمر واقع!! كما أن كثيرًا من الوظائف تشترط ألا يكون من يتقلدها متزوجًا بأجنبي كالجيش والسلك الدبلوماسي وغيره، فهل منصب رئيس الجمهورية أقل خطورة من تلك المناصب؟

أما عن التنازل عن الجنسية فإن من تجنس بجنسية أخرى قد أعلن ولاءه للدولة التي تجنس بجنسيتها، فهل نقبل منه الرجوع في هذا الإعلان بهدف الترشح للرئاسة أم أن في ذلك تناقض بين الولاء وحب السلطة؟ ثم إن التنازل عن الجنسية ليس قرارًا يأخذه الشخص بمفرده بل يجب أن توافق الدولة التي منحته الجنسية عليه.

رأيي الشخصي
اتفق مع الرد، ومع ذلك فإني أرى أن اشتراط ألا يكون أحد الأبوين قد حصل على جنسية أجنبية فيه تعسف، إذ أن الشخص لا يجب أن يسأل عن غير أفعاله.

وأرد على نقطة المولود على أرض دولة أجنبية تمنح الجنسية لمن ولد على أرضها، فإن الجنسية في هذه الحالة ليست إجبارًا .. فإن سجل الأبوين ولدهما في الدولة حصل على الجنسية وإن سجلوه في السفارة المصرية ولم يستخرجوا له شهادة ميلاد من البلد التي ولد فيها لم يحصل على الجنسية ما لم يطلبها.

المادة 76
بالطبع كلنا على علم بأن هذه المادة منذ تعديلها وهي على مقاس بعض الأشخاص بعينهم ودون غيرهم، الأمر المرفوض منذ زمن. وتتناول المادة الشروط الموضوعية للترشح وإجراءاته والإشراف عليه.

أما سبل الترشح فجعلتها أحد ثلاثة: إما أن يكون الشخص عضو في حزب له ولو مقعد واحد في البرلمان أو أن يجمع موافقة 30 عضو من مجلسي الشعب والشورى (وليس 250 كالسابق) أو أن يجمع تأييد 30 ألف مواطن من 15 محافظة بحد أدنى 1000 في كل محافظة.

وعن الإشراف فقد جعله للجنة من القضاء ولم يجعل الطعن على قراراتها ممكنًا بأي صورة

النقد الموجه لها
يتحدث الناس عن الأعداد ومنهم من يرى أنها كثيرة ومنهم أن يرى أنها قليلة

أما النقطة الأهم التي يعلق عليها الكثير هو جعل اللجنة المشرفة على الانتخابات بلا رقيب، فلا يطعن في قرارتها ولا تخضع لإجراءات وقف التنفيذ.

الرد على النقد من جانب بعض أعضاء اللجنة
إن من يقول بأي عدد إنما يقول به تحكمًا إلا أن واضعي المقترح لم يضعوه تحكمًا، فقد درسوا في آخر انتخابات نزيهة بإشراف قضائي (2005) متوسط الأعداد التي نجح بها أعضاء مجلس الشعب فوجدوا أنها تتراوح بين 26 و28 ألف وبناءً على ذلك جعلوا العدد 30 ألف.

أما عن عدم رقابة لجنة الانتخابات الرئاسية فذلك لأن وضع الانتخابات يكون حرج ولا يجب أن يكون مرهونًا بإجراءات قانونية تعطله، ثم أن عدد المرشحين يكون صغير فيمكن للجنة دراسة كل الاعتراضات وإبداء الرأي فيها مباشرة

رأيي الشخصي
لي تعليقين على هذه المادة، الأول أن وضع اللجنة فعلًا سيء فالسلطة بلا رقابة مفسدة لا يجب تركها على حالها

أما في شأن الأعداد فإن اعتراضًا كبيرًا أكنه للجزء الخاص بترشح الحزبيين، فلماذا أتعب وأنا عضو مجلس الشعب أريد الترشح للرئاسة بإقناع 30 من زملائي أو 30 ألف مواطن في حين أنه من السهل علي الانضمام لأي حزب كرتوني والترشح للرئاسة من خلاله .. وبذلك يحظى حزب لا يستحق بأن يكون ممثلًا لمنصب الرئيس ويتلاعب أحد الأشخاص بالقانون ويسيطر على هذا الحزب.

المادة 77
أنقصت هذه المادة مدة الرئاسة إلى أربع سنوات وجعلت الترشح للرئاسة مرة واحدة تالية فقط

رأيي الشخصي
لم يوجه نقد جدي لهذه المادة، ولكني لي عليها ملاحظتين:
الأولى: أنها تتعارض مع المادة 190 من الدستور والتي تقول أن مدة الرئاسة تنتهي بعد ستة سنوات من انتخاب الرئيس ولم تعدل تلك المادة!!! وهو أمر جد خطير ألا يلاحظه أعضاء اللجنة أساتذتنا في القانون الدستوري

الثانية وهي غير جوهرية بأن مدة الرئاسة أربع سنوات غير كافية في ظل طبيعة مصر الاقتصادية الحالية التي تقتضي أن تكون الخطط خمسية لا ثلاثية مثل الولايات المتحدة

المادة 88
تقضي بأن تجرى الانتخابات تحت إشراف أعضاء هيئات قضائية على الصناديق بالإضافة للجنة قضائية تشرف على الانتخابات عامة

النقد الموجه لها
كلمة هيئات قضائية قد تجعل من حق اللجنة العليا استثناء بعض الهيئات مثل النيابة الإدارية، وهو ما لا يعجب أعضاء النيابة

الرد على النقد من جانب بعض أعضاء اللجنة والتعليق
ذلك مطلب فئوي، ولا مجال للقول بأن أمرًا كهذا سيحدث ولا داعي له، إن الأهم هو الإشراف القضائي النزيه على الانتخابات بغض النظر عن من يراقب ويشرف

المادة 93
ألغت كون مجلس الشعب هو سيد قراره بالفصل في صحة عضوية أعضائه إذا ما قررت محكمة النقض بطلان العضوية وجعلت نظر الطعن في صحة العضوية من اختصاص المحكمة الدستورية العليا بقرار نهائي.

النقد الموجه لها
أن المحكمة الدستورية العليا لم تكن يومًا مختصة بهذا الأمر وأن لمحكمة النقض تضطلع بذلك منذ سنين، كما أن عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا صغير جدًا بالمقارنة بمحكمة النقض؛ فإذا ما كانت محكمة النقض تجد من الصعوبة أن تنجز عملها في 90 يوم فهل تنجزه المحكمة الدستورية العليا في نفس المدة؟

الرد على النقد من جانب بعض أعضاء اللجنة
من ناحية فإن الفقه يكاد يكون مجمع على إسناد هذا الأمر للمحكمة الدستورية العليا وأن كثيرًا من الدول تقوم بالمثل، كما أن قانون المحكمة الدستورية العليا يجيز لها انتداب قضاه من محاكم أخرى لمساعدتها إذا لزم الأمر

رأيي الشخصي
انتقد التعديل بشكل كبير إذ أن رئيس اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات وأحد أعضائها من المحكمة الدستورية العليا فنحن بذلك نجعل منهم خصمًا وحكمًا. ثم أن الرد على مشكلة العدد غير الكافي للقضاة فيها بانتداب آخرين لها يجعل الموقف ضعيف، فلِم نسنده لها من الأصل.

وفي ذلك أرى أن يتم إسناد هذا الاختصاص إلى مجلس الدولة لأنه من ناحية صاحب الاختصاص الأصيل بنظر الطعون الانتخابية قبل النتيجة فمن المناسب أن يسند إليه باقي الاختصاص، ومن ناحية أخرى فإن به من القضاة ما يكفي للنظر في هذه الطعون في الوقت المطلوب.

المادة 139
جعل التعديل من تعيين نائب رئيس الجمهورية أمرًا وجوبيًا على الرئيس في خلال 60 يوم من انتخابه بعد أن كان ذلك جوازيًا

النقد الموجه لها
أن رئيس الجمهورية هو من يعين النائب فيمكن أن يعين أحد أقاربه، ويفضل أن يتم انتخابه بدلًا من التعيين

الرد على النقد من جانب بعض أعضاء اللجنة
أن ذلك يعد تغييرًا في شكل الدولة واتجاه أكبر لجعل مصر دولة رئاسية وهو ما لم يكن دور اللجنة، بل دورها بشكل أساسي أن تضع التعديلات التي تجعلنا نعبر المرحلة الانتقالية وننشيء دستورًا جديدًا

وبالنسبة لاشتراط عدم كونه من أقارب الرئيس فلم تخطر هذه الحالة ببال من وضعوا الاقتراحات وجعلوها مستبعدة بعد ما حدث

رأيي الشخصي
اتفق مع اللجنة وأضيف إلى ردهم أنه في معظم الدول لا ينتخب النائب، فإن انتخاب نائب يجعل له صلاحيات عالية وقد يخلق جو من الندية والصراع على السلطة بينه وبين الرئيس خاصة وإن انتخب من حزب سياسي أو اتجاه مخالف لاتجاه الرئيس.

أما بالنسبة لاختيار أحد أقاربه لمنصب نائب الرئيس فأرى أنها مستبعدة، وعلى أي حال حتى لو اختار قريبًا له فليختاره وليتحمل مسئولية هذا الاختيار بعد أربع سنوات في انتخابات الرئاسة التالية

المادة 148
تتعلق بإعلان حالة الطواريء، وقد قصرتها على ستة أشهر بعد أن كان الدستور يتركها للقانون (سنتين في ظل القانون الحالي) وجعلت مدها لأكثر من ذلك بالاستفتاء الشعبي وليس من مجلس الشعب كالوضع الحالي.

المادة 179
كانت تتعلق بقانون الإرهاب الذي يعد تكريسًا لقانون طواريء دائم، وإحالة أي شخص لأي محكمة بما سمح بإحالة المدنيين للمحاكم العسكرية ويقترح إلغائها

المواد 189 و189 مكرر و189 مكرر1
تختص هذه المواد أصلًا بتعديل الدستور، وقد استحدث التعديل المقترح فقرة جديدة لا عهد للدساتير ولا القوانين بها تسمح بإلغاء الدستور ووضع دستور جديد في أي وقت، وتجعل هذا الحق لرئيس الجمهورية أو لنصف أعضاء مجلسي الشعب والشورى

كما تؤقت المادة 189 مكرر الدستور وتلزم مجلسي الشعب والشورى بانتخاب لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد خلال ستة أشهر، وبالتالي يوضع الدستور الجديد خلال سنة على الأكثر من أول اجتماع لمجلسي الشعب والشورى (6 لاختيار اللجنة و6 لعملها)

أما المادة 189 مكرر1 فتضع حلًا لعدم وجود مجلس شورى قبل انتخاب الرئيس الذي يعين ثلثه، فسمح له بمباشرة عمله (وأهم شيء الاجتماع مع مجلس الشعب واختيار لجنة تأسيسية) بأعضائه المنتخبين فورًا ثم على الرئيس تعيين الثلث الباقي بمجرد انتخابه

النقد الموجه لها
اعتقد البعض أن لفظة (لكل) لا تجبر المجالس ولا الرئيس على اختيار لجنة تأسيسية فاعترضوا على الصياغة

كما يعترض البعض على وجود مجلس الشورى أصلًا

الرد على النقد من جانب بعض أعضاء اللجنة
أنهم لن يغيروا في شكل الدولة فلا يريدوا إلغاء مجلس الشورى أو وقف عمله، وأن الجزء الأول هو مادة يستحدثها المشرع الدستوري المصري في إعطاء فرصة لاستبدال الدستور ككل ... الدافع وراء ذلك أن الرئيس مبارك لم يوافق على تغيير الدستور في 2005 بحجة أن الدستور لا يسمح بذلك

رأيي الشخصي
لا اتفق واللجنة في وضع الفقرة الجديدة من المادة 189 حيث أن القوانين لا تنص عادة على طريقة تغييرها كلها بل تغيرها السلطة التي وضعتها، من ناحية أخرى يفترض بالدستور أن يكون من الثبات والاستقرار بما لا يسمح بإلغائه واستحداث غيره 
بهذه السهولة طالما تمسكنا يكوننا دولة ذات دستور جامد.


تخوف أخير والرد عليه 
يتخوف الكثير من السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية وحتى وضع دستور جديد، وأن إحدى سلطاته أن يطلب تعديل الدستور فيمكنه تعديل المادة 189 مكرر ولا يأتي بدستور جديد

والرد على ذلك في أمرين، أولهما أن ذلك مستبعد من الناحية العملية، فلا أظن أحدًا يجرؤ على الالتفاف بهذه الصورة على الشعب. والثاني، أن تعديل الدستور يقتضي أولًا موافقة مجلس الشعب من حيث المبدأ، ثم مناقشة التعديل في مجلسي الشعب والشورى، ثم عرض الأمر للاستفتاء. فإن استطاع الرئيس أن يضمن تمرير التعديلات في مجلس الشعب (المنتخب قبله وبصورة نزيهة) فهل يضمن تمريره من الشعب كله، وإن استطاع أن يجمع كلمة الشعب على إبقاء الدستور القديم (وهو أمر كما قلت مستبعد) فإن الرأي دائمًا للشعب.


إجمالًا
بعد أن طرحت وجهات النظر التي وصلتني جميعًا والرد أو التعليق عليها من جانبي والآخرين، أترك لكل واحد منكم الاختيار بين الموافقة أو الرفض وفقًا لما يراه من أوجه استحسان وقصور في النصوص محل التعديل

No comments:

Post a Comment