منذ فترة من الزمان ونقابة المحامين في تدهور وانحدار، منذ مدة طويلة وكلية الحقوق أصبحت المنتهى لفاشل لا يرغب بها أو لامبالٍ غير مهتم وقلة هم هؤلاء الذين يدخلونها عن رضاء نفس وصدق عزيمة ونية حقيقية لخدمة الحق والعدل. سنوات وسنوات ويبقى أمل خريجي كلية الحقوق الأول أن يلتحقوا بالهيئات القضائية ليحظوا بالسلطة والمال وغيرها من المميزات القضائية، الأمر الذي أهدر قيمة المحاماة وأضاع هيبتها في أحيان كثيرة بعدما كانت نقابة المحامين تدعو لعقد مؤتمرات وجلسات لمناقشة السبب وراء امتناع المحامين وخريجي مدارس الحقوق عن الالتحاق بالسلك القضائي. طالت هذه المدة حتى نسى المحامون ما يجب أن تكون عليه النقابة .. حتى هانت المحاماة على أهلها فهانوا على الناس!!
إن هموم المحامين وأوجاعهم هي هموم مجتمع بأسره، هي أوجاع شعب فقد محاميه فضاع حقه، فقد ثقته في العدل وأهله حتى بات المظلوم يدعو الله ألا يلقى المزيد في غده، بات الظالم نائم الضمير غير مكترث بغده.
مقدمة تثير الأوجاع وتضغط على الجرح ولكن لابد منها في وقت تعالت فيه الأصوات الصادقة والكاذبة، الشريفة والمنافقة، الساعية إلى الخير والمتمسكة بمصالحها الشخصية ونزواتها ... كلها أصوات تمسك بمعول الهدم وتوجهه نحو نقابة المحامين التي فقدت مكانتها كوكيلة للأمة (على حد قول سعد باشا زغلول في حفل افتتاح نقابة المحامين). إن ما اعرضه هنا ليس محل نكران في بعضه أو كله سواء من هؤلاء أو من أولئك فالكل يدرك المحنة ولكن تختلف الهمم على حلها أو ترك السفينة تغرق طالما هناك قشة قد تنجِ، أو كما يظنون ؟؟؟
منذ أسابيع والدعوة إلى جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من مجلس نقابة المحامين نقيبًا وأعضاءً على أشدها، والبعض ممن يدعون لها أهل احترام وثقة والكثير منافقون همهم ليس هم المحامين بقدر ما هو السلطة والنقابة ... وعلى أي الأحوال فسحب الثقة من عدمه حق للمحامين يقرروا بشأنه ما يرون.
الأمر الذي أردت مناقشته اليوم هو القانون 100 لسنة 1993 بشأن ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية وما ورد عليه من تعديلات عام 1995 وأثر الحكم بعدم دستوريته!!
صدر مؤخرًا حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان تشكيل مجلس نقابة المحامين الذي تم انتخابه طبقًا للقانون 100 المحكوم بعدم دستوريته وبإلزام رئيس محكمة استئناف القاهرة بتسلم النقابة لإجراء الانتخابات، وقد أيد هذا الحكم معظم أعضاء مجلس النقابة فور صدوره وعلى رأسهم نقيب المحامين حمدي خليفة ولجنة الشريعة الإسلامية بالنقابة وغيرهم ... ثم جاء في جريدة اليوم السابع منذ ساعات قليلة أن الأستاذ محمد فزاع – أمين الصندوق بالنقابة العامة – قد أعلن أن مجلس النقابة طعن على حكم القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا، الأمر الذي يخالف ما قال به الأستاذ حمدي خليفة وأعضاء المجلس الآخرون!!
وعلى أية حال ودون أن يكون فيما يلي أي تعليق على أي أحكام قضائية بالسلب أو الإيجاب، إذا أنني دائمًا وأبدًا ما أقول بضرورة اعتبار الحكم عنوان الحقيقة وألا يتم التعليق عليه أو أهداره إلا بالطرق القضائية، فإنني أناقش مع العامة والمهتمين بالقانون أثر الحكم بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1993 على مجالس النقابات المهنية بشكل عام، واضرب المثال بنقابة المحامين متى لزم الأمر ...
من الثوابت القانونية المتفق عليها أن الحكم بعدم الدستورية حكم كاشف لانعدام النص المحكوم بعدم دستوريته، وأن هذا النص لا يطبق ويلغى كل إجراء اتخذ تطبيقًا له، فإن كان قد أضاف حكمًا ألغي الحكم، وإن كان قد ألغى حكمًا عاد إلى الحياة وإن كان من شأنه تعديل نص آخر أو تغيير أحكامه اعتبر هذا التعديل والتغيير كأن لم يكن.
وبناءً على ذلك فإنه بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1993 فإنه يعيد الأوضاع لما كانت عليه قبل صدوره، أي أن الأحكام التي وضعها لتوحيد انتخابات النقابات المهنية تعد كأن لم تكن وتعود كل نقابة لنظامها الأساسي وقانون تنظيمها!!
يبقى لنا أن نبحث الأثر المترتب على كون قانون نقابة المحامين هو القانون المعمول به منذ 1993 بالنسبة للقرارات والانتخابات التي تمت في ظل القانون رقم 100:
إذا بحثنا عن الشروط التي وضعها القانون رقم 100 بشأن الانتخابات وانعقاد الجمعية العمومية والإجراءات وغيرها نجد أنه أكثر تشددًا في أحيان كثيرة ومساوٍ في أحيان أخرى لما قرره قانون المحاماة بشأن هذه الأمور، الأمر الذي لا يعد اتباع القانون رقم 100 فيها مخالفًا لقانون المحاماة وبالتالي تكون الإجراءات المتخذة تطبيقًا له صحيحة ومنتجة لآثارها (بالنسبة لهذه الجزئية فقط)
أما نقطة الخلاف الحقيقية والتي تؤثر على صحة انتخاب المجلس من عدمه فتكمن فيمن له الحق في الدعوة للانتخابات والإشراف عليها، ففي قانون المحاماة يعهد بذلك للنقابة ذاتها بينما في القانون رقم 100 لسنة 1993 يعهد بها لقضاة على الوجه المنصوص عليه في القانون، والسؤال هنا: هل دعوة القضاة لانتخابات النقابات المهنية وإشرافهم عليها فيه إهدار لنصوص القانون بما يوجب بطلان الإجراء أم ما قاموا به من إجراء يظل صحيحًا؟
الإجابة على هذا السؤال محل خلاف والحسم في هذه المسألة لا يقول به فقيه ولا محام، بل هي مسألة تفسير قانوني يلزمها حكم قضائي، وأعرض لهذا الخلاف في إيجاز شديد:
الاتجاه القائل بالبطلان:
يقول هذا الاتجاه بأنه لا سلطة لمن دعى للانتخابات ولا حق له في الإشراف عليها، بما يبطلها باعتبارها قد صدرت ممن لا يملكها ... وقولهم في ذلك حق وصواب.
الاتجاه القائل بصحة الإجراءات:
يقول هذا الاتجاه بأن مصدر القرار في هذه الحالة لم يغتصب الحق، بل كانت له (قبل الحكم الكاشف بانعدام القانون رقم 100) صفة الموظف الفعلي والذي يقر القانون الإداري قرارته ويضعها محل اعتبار وتقدير حفاظًا على استقرار الأوضاع ... خاصة وأن ما اتخذ من إجراءات لا يخالف القانون رقم 100 لسنة 1993 المعدوم ولا يخالف نصوص قانون المحاماة، فيجوز اعتبار صفة الموظف الفعلي وتصحيح الشكل القانوني لهذا الأمر من منطلق أن إعمال التصرفات خير من إهمالها.
دور المحكمة:
يأتي دور المحكمة في هذا الشأن بما له من سلطة تقديرية محضة بأن تحدد ما إذا كان التفسير الصحيح لنصوص القانون يعتبر القضاة الذين أقاموا الانتخابات وأشرفوا عليها في عداد الموظف الفعلي من عدمه ... وهو ما يخضع بدوره لرقابة محكمة القانون الأعلى، في هذه الحالة المحكمة الإدارية العليا.
هذا بإيجاز واختصار الموقف القانوني الحالي والذي، إن صدق ما نشره اليوم السابع، سيكون محل النقاش أمام المحكمة الإدارية العليا لتحسمه بحكم نهائي يؤثر ليس في نقابة المحامين فحسب بل في كل النقابات المهنية الأخرى.
كلمة أخيرة:
تبقى لنا كلمة أخيرة يأبى الضمير أن ينشر هذا المقال دون أن يقولها .. إننا وإن كنا قد عرضنا في مقدمة هذا الموضوع لما ألم بالمحامين من ضعف ووهن وامتهان فإن ما نرجوه أن يكون في نقابة المحامين، سواء حكم بصحة المجلس واستمر أو حكم ببطلانه وجاء مجلسًا غيره، ما يعين المحامين على تأدية دورهم الحقيقي كوكلاء لهذا الشعب وما يعيد لهم الكرامة والعزة التي نشأ الكثير منهم وعمل سنوات في المهنة دون أن يعلم عنها شيء ودون أن يطلبها.
اللهم أعز الحق بقوتك، وانصر العدل بإنصافك، واهد قومنا لما فيه الخير والصواب،
والله ولي التوفيق والنعمة ...
خبر الحكم ببطلان مجلس النقابة وبه تعهد خليفة بالتنفيذ وعدم الطعن:
خبر الطعن على الحكم:
خبر الحكم على موقع لجنة الشريعة:
ترحيب لجنة الشريعة بالحكم:
حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 198 لسنة 33ق الصادر في 2/1/2011 بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1993 والمعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1995: