13.1.10

الحقيقة وراء كون القيامة في 2012 .

منذ عدة ساعات كتبت رسالة شخصية تقول:
"مصادر موثوق بها تعلن: يوم القيامة هو 12 سبتمبر 2012 ومن المنتظر نزول السيد المسيح عن قريب إن شاء الله ... وقد استدلت المصادر بأدلة علمية وعملية مدعومة بآيات من القرآن الكريم وأجزاء من التوراة والإنجيل، كذلك قامت بالبحث في غالبية الأديان غير السماوية الموجودة حاليًا لتأكيد المعلومة وهو ما أسفر عن صدقها"
وطبعًا هوجمت بشكل شرس من كل من قرأ هذه الرسالة، وهذا شيء صحي جدًا، وقد كانت هذه الرسالة بداية خيط لمقالي هذا فإليكم القصة ...
منذ فترة وصلت رسالة إلىّ على البريد الإلكتروني تدعوا لطاعة الله والجهاد في سبيله والعودة إلى الدرب الصحيح للدين ومبرر ذلك هو شرح للرسالة الشخصية التي ذكرتها (يمكنكم متابعة ما يقال بالعربية والإنجليزية على جميع المواقع الإخبارية والمنتديات)، وطبعًا في آخر الرسالة أرسلها وتأتيك الحسنات من حيث لا تحتسب .... إلخ
لم تثر إهتمامي الرسالة وكان مصيرها كغيرها في سلة المهملات، ولكن ما أثار اهتمامي أن هذه الرسالة قد توالت علي لأكثر من 20 مرة وزادت حولها المناقشات بشكل غريب!! للأسف قلت "يجب أن أرد" وبالفعل أرسلت رسالة أوضح فيها وجهة نظري وأن هذه تفاهة وأن هذا أمر غير متحقق الوقوع وأن وأن وأن، عدة أيام ووجدت سيلًا من الشتائم والسباب والهجوم على موقفي من أناس أعرفهم ولا أعرفهم، ثم وجدت بعض من الزملاء المصريين والعرب (الذين أعرف عنهم إلحادهم) يتصلوا بي ويقولون أنهم قد رجعوا إلى صوابهم بسبب هذه الرسالة وأنني يجب أن أؤمن بالله وأعود إلى رشدي وصوابي وانهال علي سيلٌ من الأدلة القرآنية والأحاديث و و و
ثم فوجئت بأن الإعلام المصري قد بدأ يتحدث عن هذه الظاهرة من خلال برنامج الطبعة الأولى اليوم وقد تحدث أحمد المسلماني عنه .. صراحة أثار الموضوع قلقي وأحببت أن أعرف آراء الناس قبل أن أكتب هذا المقال فكتبت رسالتي الشخصية.
أيًا ما كان فما أريد أن أسوقه في هذا الخصوص أن هذا الموضوع عرض من قبل مرات ومرات وسيقت له الأدلة أيضًا من الكتب السماوية ومن الديانات وصدقه العامة والخاصة وأثار بلبة على مر العصور، وقد أعجبني موقف للإمام المراغي في هذا الصدد أود أن أقصه عليكم:
أولًا: الإمام المراغي لمن لا يعرفه هو أحد شيوخ الأزهر ويعد من مجددي الدين حيث يصنف في عداد الشعراوي ومحمد عبده والأفغاني وغيرهم

ثانيًا: القصة نفسها: (قد يعرفها البعض)
أرسل المراغي إلى السودان قاضيًا لقضاتها أثناء فترة الاحتلال الإنجليزي ولدى وصوله وجد الناس عازفون عن الدنيا وما فيها متفرغون للعبادة ولما سأل علم أن أحد العلماء المشهورين في السودان قد حدد للناس ميعاد يوم القيامة وساعته وقد أقنعهم أنه جاء بذلك عن طريق علمه اللدني الذي يأتيه من الله تعالى مباشرة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاه وأخبره بذلك في منامه
في البداية ذهب الشيخ المراغي إلى هذا الأفاق الدجال وعارضه ورفض ما قال به فما كان من الناس إلا أن هاجموه وكادوا يقتلونه، حاول الوصول للناس ووعظهم فلم يستجب له أحد ولم يسمعه أحد فخطرت له فكرة: ذهب إلى هذا الدجال مرة أخرى ومجرد ما دخل إلى مسجده هجم عليه الناس فقال لهم أن يصبروا حتى يسمعوا ما جاء يقوله ثم ذهب إلى الدجال وقبل يديه ومسح على قدميه وبدء بالاعتذار له فابتهج الناس وتعجب الدجال، ثم بدء يقول له أنت الإمام حتى أنك أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هنا أوقفه الناس، اعتبروه قد أراد التمجيد في شيخهم ولكن خانه التعبير فأعادها مرة ومرة ومرة حتى هاج عليه الناس مرة أخرى فوقف وقال لهم:
أيها الناس، قال الله تعالى في كتابه العزيز: "ويسألونك عن الساعة*أيان مرساها*فيم أنت من ذكراها*إلى ربك منتهاها*إنما أنت منذر من يغشاها" ويقول عز وجل: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها" فإذا كان الله عز وجل قد احتفظ بسر ميعاد يوم القيامة ولم يخبره رسوله الكريم ثم جاء وأخبرك به فبالتأكيد أنت أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم
مجرد ما انتهى من كلماته عاد الناس إلى صوابهم ورجعوا إلى رشدهم واتبعوا كتاب الله وسنة رسوله وباشروا أعمالهم من جديد.


أخيرًا: يبقى الرد على أصحاب الرأي الجديد
يقول، من يدعون علم الغيب، أنهم علماء وأن لأبحاثهم قيمتها العظيمة والتي لا تخطيء وفي تفسير القرآن قد أفتوا بما ليس لهم به علم!!
إنني أبدًا لا أعترض على صحة ما يقولون من الناحية العلمية ولا أنكر إمكانية حدوثها، ولكن الحروب، والحرائق، والموت، والدمار كلها عوارض قد تحدث ولكنها لا تنبيء ولا تؤكد وقوع الواقعة، فالقيامة علمها عند الله وإن شبهت بها الأحداث الجلال فلا ترقى لمستواها.
أما فيما أفتوا فيه بغير علم فهو قوله تعالى: "إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى" فقالوا إن الله قد وضح قصده هنا بكلمة "أكاد أخفيها" فتركها لنا من هذا المنظور لنعلم إمكانية التنبؤ بها علميًا بعد ذلك وإمكانية أن يعرفها بعض عباده بالبحث والاجتهاد وفي ذلك كلام:

ولكن البحث حول هذه الكلمة فيما سبق أن أقره علماء المسلمين من قبل ونجد ذلك في تفسير الطبري أن أكاد أخفيها هنا جاءت إعتراضية قصد بها الله أنه يكاد يخفيها حتى عن نفسه لئلا يعلمها أحد من الخلق وأنه في هذا الإخفاء إنما يفضل أن يصل به إلى حد عدم ذكرها أصلًا ودليل ذلك للناظر في القرآن الكريم أنه قدد تكرر في غير موضع أن ذكر الساعة لم يزد الكافرين إلا عنادًا وضلالًا. ثم إننا لنأتي على قول الله تعالى في صورة الأعراف: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"
فهنا نجد أن (لا يجليها لوقتها إلا هو) ومعنى ذلك أن الله لا يظهرها ولا يبينها إلا بهداه وحدة، وهو بذلك إنما يرسل علامات عليها، فالتعبير المجازي مرساها في الآية إنما هو مصدر من إرساء، والمعنى رسو السفن، فهو في ذلك كمن قال "أتى أمر الله" أي أن السفينة قد انتلقت لا تستعجلوا وصولها، وأنها تجري لمستقر ومرسىً لها فيرسل الله بين الحين والحين علامات ودلالات على قرب الوصول ولكن لا يعني هذا أنه يجل الموعد نهائيًا فياتي بهذا المعنى في عجز الأية فيقول: "لا تأتيكم إلا بغتة" مؤكدًا أنه على الرغم من الدلالات والعلامات إلا أنها تأتي فجأة ودون سابق تحديد لموعدها.
كذلك يؤكد القول سبحانه في صورة النحل: "وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ"

خلاصة القول، إن ما ساقه العلماء من ظواهر طبيعية قد تحرق الأرض أو تدمرها أو تمحها ... إنما هو في ذاته دلالة من الدلالات ومقدمة من المقدمات التي تبدو في الأفق قبل تحقق علامات الساعة المنتظرة، ولا أنكر ما قد يكون له من دور في ظهور واحدة أو أكثر من هذه العلامات أما ميعاد الساعة ذاتها فهو أمر لله جميعًا لا يعلمه إلا هو.

آسف للإطالة وأدعو الله أن يوفقني ويوفققكم إلى جميل السبيل وأن يسدد خطانا نحو صراطه المستقيم

المقال مفتوح لمن أراد نشره ولكن فضلًا ذكر المصدر ..

أحمد رجب الكُتْبي، في 13 يناير 2010